فهؤلاء كانوا أغنياء، وإذا رجعت إلى ما ذكره العلماء كما في سير أعلام النبلاء ، وفي طبقات ابن سعد وغيرها من المصادر فإنك تتعجب عندما تجد أن ثروة بعض الصحابة بلغت حداً كبيراً جداً؛ حتى إن نصيب الزوجة الواحدة يقدر بالملايين من الدراهم، وأحدهم متزوج من عدة زوجات، وهذا بعد أن فتح الله تبارك وتعالى عليهم، ووسع عليهم.
فـعثمان رضي الله تعالى عنه مثلاً كان من أول الأمر ومن أصله ذا مال، وذا غنى، وذا ثروة، ثم لما فتح الله تبارك وتعالى عليهم البلاد والأمصار، وأصبح كل منهم يأخذ نصيبه الذي قدر الله له من الغنائم والفيء؛ ازدادوا غنىً رضي الله تعالى عنهم، وقد فتح الله عليهم من خيرات الأرض ما لم يكونوا يحلمون به، حتى إن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه كان يمتخط في الكتان، أي: كان يتخذ منديلاً يمتخط فيه من الكتان، فتذكر كيف كان في أيام الصفة لا يكاد يجد ما يستر العورة، ولا يقيم الأود، والآن أصبح أبو هريرة يمخط بالكتان فسبحان الله!
ففتح الله تبارك وتعالى ووسع عليهم من النعم، ولكنهم رضي الله تعالى عنهم كانوا صابرين على الفقر، وكانوا شاكرين في الغنى، فلم ينسهم هذا، ولم يطغهم ذاك كحال كثير من الخلف بعدهم، ففيهم هذا وهذا، وإن كان الأغلب والأعم هو الفقر والحاجة؛ لا سيما في الصحابة، وأما التابعون فإن الغالب على الأمة في أيامهم هو الغنى الذي لم تصل إليه أية أمة من الأمم في القرون الوسطى، وربما إلى يومنا هذا، فلم تصل أي أمة من الأمم في المساواة في الثروة والغنى إلى ما كانوا عليه في أيام التابعين، حتى إنه في أيام عمر بن عبد العزيز رحمه الله كان العمال يطوفون بالصدقات ولا يجدون من يأخذها؛ لأن الناس كلهم في غنىً وفي عفاف وقناعة أيضاً.